Thursday, December 31, 2009

استكمالاً للبوست الأخير

عيناك وتبغي وكحولي والكأس العاشر أعماني



يقول ناظم حكمت

أجمل البحار
تلك التي لم نراها بعد
وأجمل الأطفال
من لم يولد بعد
وأجمل الأيام
تلك التي لم نعشها بعد
وأجمل القصائد
تلك التي لم نكتبها بعد

***
وأجمل من يجب أن يأتي
لن يأتي أبداً
فأنا لا أملك في الدنيا
إلا عينيك وأحزاني
* * *

كل عام وأنت بخير
تذكرين هذه الأغنية
في بيت الشعب؟

Friday, November 20, 2009



سيبني لليالي أسهرها لوحدي
سيبني لذكرياتي
• * *
ماذا تبقى غير الذكريات؟
ماذا تبقى من قيمة الأشياء؟
غير وجهها الساكن في رأسي
وجهها رفيقي فيما تبقى من حياتي
سيرافقني حتى النهاية
حتى النهاية
رغم الشوق كنصل سكين حاد في القلب
نكابر ونقول
بتسأل ليه عليا؟
بتقول وحشاك عنيا؟
الشيء الوحيد الذي لا يحتاج مكابرة
هو الحب
والحب فقط
لكننا أغبياء
نكابر ونكابر
لماذا؟
لأننا كنا شبابا
لأننا لم نقدر اللحظة
لم نعرف ألم الفقد
ونظل نمشي على الجمر
بقية حياتنا
ماذا تبقى غير الليالي
نسهرها لوحدنا
نستمع إلى صمتنا
وإلى صوت سعالنا
الذي لا يوجد له سبب
غير الكبر بالعمر
ونتذكر أغنية فايزة أحمد
كل دقة بقلبي بتسلم عليك
وبتسأل ليه عليا
سيبني لليالي أسهرها لوحدي
سيبني لذكرياتي
وأبعد عن خيالي يا أغلى ما عندي
* * *
كم من الحماقات أرتكبنا في شبابنا
وأضعنا أوقاتاً لن تعود
لم ننتبه للسنين التي تطوى
ولم نفكر بالفرص الضائعة
* * *
عرفت الآن معنى البكاء على الأطلال
هذا البكاء الذي لن يعيد الأبنية والقصور
استهنا بالزمن
رغم تحذيراته
ولن يفهم الشباب ذلك
حتى يكتشفوا عدد السنين
التي مروا بها
وحجم الخسائر التي منيوا بها
والسبب واحد
هو المكابرة
وعدم الرؤية بوضوح
والترفع عن قول
آسف

Friday, October 30, 2009

استكمالاً للبوست الأخير

لبنان الذي لا نعرفه



قادتنا أقدامنا المتعبة
إلى كافيه منزو في السوليدير
وصلنا بينما كانت متعلقة بذراعي
مستندة على جسدي الذي
لم يعد قوياً فتياً
كانت ساحة النجمة
تضج بالعابرين
كانت الكافيهات
تعج بالناس
ودخان الأرجيلات
يملأ الساحات
نحن نكره الازدحام
ونكره رائحة الأرجيلة
ولذا
كان هذا الكافيه المنزوي

* * *

كان ذاك اليوم حافلاً
منذ بدايته البكر
كنا شغوفين لرؤية ما فاتنا
من لبنان الطفولة والشباب
في ذلك الوقت
وقبل أكثر من أربعين عاماً
لم تكن أقدامنا تتعب حتى
خيوط الفجر الأولى
لكن ذاك اليوم
بعيد عن هذا اليوم
"وإذا خلاك الكبر ما خلاك البين"
كنا شغوفين لرؤية ما فاتنا
فذهبنا إلى جبل عاليه
ثم صعدنا أكثر إلى بحمدون المحطة
لكنهما لم تكونا كما تركناهما
كان أوتيل الساحة المهجور
هو الأثر الباقي لتلك الأيام
قلت لها أنظري
كانت هذه الشرفة
هي شرفة غرفتي عام 1971م
كان هناك ستار بوكس
تصوروا
لكن أين السبلندد والاكستاز؟
أين أبو خضر؟
على هذا الرصيف خلقت أجمل قصص الحب الكويتية
لكن من هؤلاء؟
أهم كويتيين؟
إذا لماذا لا يشبهون الكويتيين
الذين جاءوا هنا قبل أربعين عاماً؟
أصبنا بالأسى
ذهبنا إلى نبع الصفا
وكان أول ما تباردر إلى أذهان
من يعملون في المطعم هو التالي
"صيد خليجي دسم وع زوقك"
قرفنا من أجواء الاستغفال
وأصبنا لاحقاً بتسمم من الكبة النية
رغم أن عصفور التين المغمس
بدبس الرمان كان لذيذاً
ولكن و"بلا صغرة فيكن" كان
يختلف عن الطعم الذي اختزناه
عقوداً طويلاً في ذاكرتنا
في السيارة المستأجرة مع الشوفير
استندت على كتفي وهمست
خل نروح الأوتيل
كنت أعرف بماذا تشعر
وبعد لحظات صمت ابتسمت
محاولاً التخفيف عنها وقلت
خلينا ننزل على جونيه
نزلنا وجلسنا على كافيه على البحر
وكان بقربنا شباب خليجيين
يتفقون على الملهى الليلي
الذي سيسهرون فيه
وكانت في طاولة أخرى
شاب شعره سبايكي
لكن زوجته كانت منقبة
ظللنا جالسين بصمت
وارتشفنا الاسبرسو
ثم غادنا بصمت

* * *

لم تكن لبنان التي نذكرها
ولم يكن السائحين الذين نعرفهم
ربما نحن من تغير
فالنسائم البيروتية والجبلية لم تتغير
إلا قليلاً بسبب الاحتباس الحراري
فهل أثر الاحتباس على الناس؟
الأصدقاء اللبنانيين لم يعودو
بعضهم مات والآخر مريض
إلا قليل من الساخطين
أو محبي الحياة
كانت صامتة معظم اليوم
وكنت كذلك
حاولت تخفيف خيبة أملها
لكن من يخفف خيبة أملي؟
بيروت لم تتغير بشعاراتها السياسية على الحوائط
لكن تغير مضمون بعض هذه الشعارات

* * *

حل الظلام
وسرنا بأقدام متعبة
نتنفس نفساً ثقيلاً منهكاً
واخترنا كافيه منزوي
كل طاولاته خالية ما عدا
طاولة واحدة يحتلها سواح أجانب
وكان عازف عود
يعزف بلا شهية
فهم نظراتنا إليه فقال وكأنه يعتذر
"ما في حدا عم يسمع"
قلنا له مبتسمين بتعب
احنا نسمع
فغنى للعملاق وديع الصافي أغنية
"لا عيوني غريبة"
فانتعش في داخلنا شيء
كنا كنبتتين سقيا بالماء
فدبت فيهما الحياة
فصفقنا طويلاً
أخيراً
تعرفنا على وجه لبنان
ماسحاً التعب وخيبة الأمل
من على وجهينا
واستمر يغني كل أغاني وديع وفيروز
سألتها
تعبانة؟ تبين نروح الأوتيل؟
قالت بنشاط
لأ, خلينا قاعدين
طلبت عشاء فامتلأت الطاولة
بالمزات اللبنانية
الحمص والمتبل والتبولة والفتوش واللبنة
وخبز الفرن الحار وصينية الخضار
وصدح المطرب ب
لا أنت حبيبي ولا ربينا سوا
ومرقو الحصادين
واحكي لي احكي لي عن بلدي احكي لي
والليل يا ليلى يعذبني
ورحنا نغني معه غير واعين
ولما انتصف الليل
هممنا بالذهاب
فسألنا المطرب
تيجو بكرة ع عشية؟

* * *

حاولت البحث عن أغنية وديع الصافي
لا عيوني غريبة في اليوتيوب
ولم أفلح
لكني وجدت مطربين آخرين يغنوها
تظل الأغنية جميلة
ويظل وديع عملاقاً
وتظل لبنان هي لبنان
رغم كل شيء

Tuesday, October 6, 2009

كانت البلد رايقة




كان كل الناس
يعرفون كل الناس
كان كل الشباب
يعرفون سيارات كل الشباب
الكل كان يعرف
دهيمة SS
وفاير بيرد جزاع الناصر
وسيارة سكوني المعروفة
المشهور ال 442
والمملوحة
وغيرها من السيارات
كنا بلباس الثانوية
البنطلونات الرمادية والقمصان البيضاء
التي كنا نتسابق لنشتريها من محل بنغوين
في شارع الحمرا ببيروت
فنكون مخالفين وغير مخالفين للزي المدرسي
وكانت الفتيات يلبسن تنانير رمادية وقمصاناً بيضاء
لا أتذكر أنني رأيت أحداهن بحجاب أونقاب
ولم يكن شارع الخليج قد أنشأ بعد
كانت الكزدرة بالسيارات
داخل سوق السالمية
وتجمعات الشباب
عند ملك العصير
كان ذلك قبل المجمعات
وقبل أن يسمون الكزدرة والتمشي "قز"
عندما كان صوت عالية حسين يصدح بالخماري
آه ياروح الروح
من يسلي الروح
آه بين السمر والبيض
مقسومة
وكان مصطفى أحمد يغني
ترا الليل عودني على النوح والسهر
وحسين جاسم وعبد الكريم عبدالقادر
وعايشة المرطة وغريد الشاطئ
وشادي الخليج ينقون آذاننا
وكان المطربين والمطربات العرب
يغنون أغاني كويتية
مثل نجاح سلام التي غنت
أداري والهوا نمام
للعبقريان أحمد العدواني وحمد الرجيب
وغنت نجاة الصغيرة يا ساحل الفنطاس
وغنى عبد الحليم حافظ يا هلي
وغنت أم كلثوم يا دارنا يا دار
وغيرهم وغيرهم من الذين كانوا يعتبرون الكويت
منارة للثقافة والفن والحب
عندما كانت البلد رايقة

* * *

كانت حفلات العروس مختلطة
وكان السامري "يرنع" في الأرجاء
والتلفزيون يذيع بالأسود والأبيض مذكرات بحار
بصوت الشاعر محمد الفايز
وعوض الدوخي يغني
أنا في انتظارك ومستحيل أنسى اللي فات
كان النوير يملأ البر
وطيور الربيع تملأ أغصان الشجر
كانت الساحات تضج بالعرضة
كانت الألوان أكثر اشراقاً وبهاء
كنا عيال قرية
كل يعرف أخيه
عندما كانت البلد رايقة

* * *

كان الحب نظيفاً منزهاً
قد تبدأ شرارته بين الأهل
أو في السالمية
أو في بحمدون المحطة
أو أثناء الدراسة في القاهرة
لكنه كان نظيفاً
كان أي شاب يدافع عن أية فتاة
تتعرض للمضايقة
لم يكن هناك انترنت
لم يكن هناك تلفون نقال
لم يكن هناك بلوتوث
لكن كانت هناك رسائل تكتب باليد
بخطوط جميلة أنيقة
وكانت الرسائل الأنثوية معطرة
ترى بقع العطر في أركانها
كان الخط له طابع الخاص والخصوصية
يحمل بصمة صاحبه أو صاحبته
كان الزعل والعتب محبباً كما غنت عليا التونسية
أغنية شكوى العتاب للعملاق أحمد باقر
الزعل من غير سبة
شي حلو منك عرفته
عندما كانت البلد رايقة
كان الزعل والتغلي حلو
يزيد من قيمة الحب
ومن غلاة المحب
لم يكن كطعنة في القلب
فالمحب لا يتحول ذئب شرس

* * *
عندما غنى حسين جاسم
حلفت عمري ما أشوف صورة
ملامح فيها من وجهك
لم يصدقه أحد فينا
وحتى عندما بالغ بالقول
خلاص حتى المكان اللي نزوره ونتنادم فيه
حلفت عمري ما ازوره يوم
ولا حتى أفكر فيه
كنا نعرف أنها سحابة وتعدي
وأن هذه المبالغة ما هي إلا
زعل وعتب حلو وسيزول
كنا متعاطفين مع حسين جاسم
لأن كل الشباب الكويتي
كانوا يحبون كل الشابات الكويتيات
ولكل منهم قصة زعل
وفي النهاية
أصبحوا أجداداً وجدات
يملأ أحفادهم البيوت
أترككم لدقائق
مع الكويت الرايقة
وأريدكم أن تلاحظوا
أن عازف الغيتار هو
الشهيد عبدالله الراشد
الذي استشهد مع زميله الشاعر فايق عبد الجليل
أثناء الغزو الغاشم

Saturday, September 12, 2009

أنا متفائل




لو طلب مني أن اذكر ثلاث تواريخ على الأقل
كان لها أثر في حياتي لقلت:
1 يناير
3 يوليو
10 سبتمبر
وتحديداً
10 سبتمبر 2009
لكن بالتأكيد هناك تواريخ حاسمة مثل
30 ابريل
و11 مايو
عندما قلت بسلامتي بسرم
وأخرى وأخرى

* * *

هل شعرتم يوماً بأن هناك تاريخ تتحدد بعده
معاني الحياة؟
مثل صرخة الحياة الأولى
مثل القبلة الأولى
الطفل الأول
المليون الأول
وكل يوم
هو يوم أول
في بقية أعمارنا

* * *

كانت الساعة قد تجاوزت العاشرة مساءً
لكن الصخب والضجة لم تخفت
في شوارع فلورنسا
المتكئة على تاريخ عصر التنوير
حيث المقاهي تغص بالمحتفين بالحياة والجمال
تعكس أنوارها على نهر أرنو
اقتربت منه وهو يهم بلملمة أشياءه من على الطاولة
سألته: هل أنت راحل؟
قال مبتسماً: لدي وقت لزبون واحد
جلست قبالته, وجلست بقربي
فأمسكت بيدها وكأنني أريدها
أن تساندني أو تحميني مما سيأتيني
من قادمات السنين
تمعن في الأشياء أمامه
تنهد ثم قال:
"بصرت..ونجمت كثيراً
لكني.. لم أقرأ أبداً
فنجاناً يشبه فنجانك
لم أعرف أبداً يا ولدي
أحزاناً تشبه أحزانك".
لكنه نطق بعد صمت
فأدركت أنني كنت أسمع في عقلي
أغنية قارئة الفنجان

* * *

قال:
انقضت أيام الشقاء
انتهى النصف الأول من حياتك التعسة
وابتدأ النصف الثاني من عمرك
كل السنوات السابقة
كانت سنوات الاستعداد والتعب على النفس
ومنذ هذه السنة ستتغير حياتك إلى الأفضل
وإلى الأبد
أخيراً سيبدأ طير السعد بمرافقتك
وسيعوضك عن حياتك السابقة
كان ذاك في 10 أغسطس 2008م
وعندما قال هذه السنة
ظننته يقصد بقية سنة 2008م
لكنني أدركت لاحقاً أنه يقصد
سنة قادمة
ضحكت فشعر باستفزاز
وقال: هل تريد أن أذكر لك السنوات
التي عانيت بها؟
وعددها, وكان محقاً
سألني ألم يقرأ لك من قبل أحداً
بختك؟
رفعت رأسي متذكراً
ثم قلت بلى
في عام 1980م
كان منجماً مصرياً
في عام 2004م
كان منجماً هندياً
في عام 2008م
كانا منجمتين لبنانيتين
سألني: ألم يقولوا لك ما قلته؟
أطرقت بدهشة ثم قلت بهمس
بلى

* * *

وعلى مر شهور السنة الماضية
سخرت وسخطت كثيراً
على كل المنجمين
وفي عشية 10 أغسطس
لمع نجم غريب بالسماء
وكأنما كان يناديني ويبتسم لي
وفي صباح يوم 10 سبتمبر 2009م
تحققت بوادر النبوءة
ولكن ألا يمكن أن تكون بعض النبوآت
باب فيه جهتي دخول وجهتي خروج
لا لا أريد لهذا الخاطر
أن يستحوذ علي
فأجمل الأيام تلك التي لم تأت بعد
على حد قول ناظم حكمت
فلننتظر بتفاؤل

* * *

هذه الأغنية تذكرني بال
Happy days

Friday, August 21, 2009

لأ مش أنا اللي أبكي



أبكي؟
لأ مش أنا اللي أبكي

* * *

إنطفأت العينان
واختفى بريقهما إلى الأبد
وانسل جزء من الروح
خلف الأسوار المعتمة
كسرت شوكة المجد والشموخ
وارتدى الوجه قناعاً فينيسياً
قناع حزين كحزن الإله إيل على بعل

* * *

كطائر الفينيق
أتجدد لأحترق مرة أخرى
فأتجدد منتظراً الاحتراق
في أوغاريت وبيروت
ابنة الإله
جنة خلودي
وملاذي الأخير الذي ينتظرني
عندما كان الماموث يقرر الموت
كان يذهب إلى مقبرته منتظراً الموت
فهو المقبرة والجنة
بعد ألف عام
قد يجدون حفريتي
ويتساءلون
من كان هذا؟
قل لهم هذا الذي قال قبل أن يموت
لأ مش أنا اللي أبكي

Thursday, August 13, 2009

إهداء إلى شومة




كانت ليلة زواج ابنته شيماء
والتي يناديها الجميع شومة
والشومة في اللهجة المصرية
تعني العصا الغليظة
أو العجرة بلهجتنا
وكان العرس على سطح
إحدى العمارات القديمة بمنطقة العجوزة
كان الرجل في سبعينيات القرن الماضي
فتوة الحارة ودوبلير في السينما المصرية
وطلب من أولاده أن يعزموني على العرس
وحتى لا أبدو إبن ذوات بين الأسطوات
طلبت من ابنه أن ألبس جلابية وعمامة
وأضع على كتفي لاسة (شال) حرير
وطلبت ألبس جلابية اسكندراني
وهي تختلف عن الجلابية البلدي والجلابية الصعيدي
في تفصيلها
وتلف عمامتي بالطريقة الاسكندراني
بالضبط كهيئة الممثل زكي رستم
في فلم رصيف نمرة 5
وبرمت شاربي لأبدو بهيئة معلم اسكندراني
وظللت أتدرب على اللهجة الاسكندرانية
مع أبناء الفتوة قبلها بأسبوع
وقدمت بالحفلة على أنني تاجر فواكه من الاسكندرية
فالحفل كان مكتظاً بالأسطوات والمعلمين وتجار المخدرات المحليين
وبالتأكيد لن أدخل الحفلة بالبدلة السموكن
كانت الفرقة التي جلبوها من شارع محمد علي
تعزف السلام البلدي أو المربع
عند دخول أي ضيف
ولكن أبنه صرخ بصوت عال للفرقة عند دخولي
سلام اسكندراني للمعلم الفلاني
دخلت واضعاً كفي الاثنين فوق عمامتي
مقلداً زكي رستم
فنهض الرجال ذوي العضلات
محيين الضيف الاسكندراني
كان بينهم البطل محمد الحلو
صاحب سيرك الحلو
وأظنه ابن أخو الحلو
الذي قتله الأسد
ثم انتحر الأسد بقضم ذيله
وامتناعه عن الطعام
وتلك قصة أخرى غريبة
وكانت النساء يضعن كثيراً من المكياج
ويبدو الأخضر فوق عيونهم فاقعاً
ويبدو رنين الأساور الذهب في سواعدهن
والخلاخيل في أرجلهن عالياً
وقفت إحداهن وعلى رأسها
منديل أبو أويه جديد
وزغرطت فارتبكت
وتبعتها زغاريط كثيرة
وجلست مع الرجال الذين قدموا لي
بيرة ستلا
فرغم أنني قد توقعت كثيراً من الشربات
إلا أنني اكتشفت أن معظم ما يقدم
كان البيرة التي كان حتى الصغار يشربونها
ويتغاضى الأهل ويتظاهرون بعدم رؤيتهم
أما الحلقة التي كان يجلس فيها الأب
وبقية المعلمين الذين عرفوني عليهم
والأسطوات من جميع التخصصات
فقد كانت جوزة الحشيش هي السائدة
إضافة إلى البيرة
قدموا لي الجوزة ولكن الأبن أنقذني
فقال المعلم الفلاني عنده مشكلة بالصدر
فخرجت من أفواه الرجال
ألف سلامة عليك يا معلم
كان أهل العروس هم الذين يعرفون هويتي
وكنت قد اتفقت مع الابن أن أرقص بالعصا
تلك الليلة وكان اختبار لي
وعندما غنت المطربة
يا حسن يا غول الجنينة يا حسن
يا حسن يا غالي علي يا حسن
بتدبير من ابن الفتوة
كنت واقفاً في حلبة الرقص مستنداً
على عصا جميلة جلبتها معي
وحالما بدأت الأغنية
حتى عملت
My move
رفست العصا بقدمي عالياً
ثم اندمجت وغبت عن الوعي
مثلما حدث معي عندما رقصت العرضة
لمرة ولآخر مرة في حياتي
مع فرقة خيطان
كانت زغاريط النسوة
وتشجيع المعلمين الرجولي
تثير حماسي
أيوه يا معلم
وبعضهم باللهجة الاسكندراني
أيووووووووه يامعلم
معلمين اسكندرية أجدع ناس
أتت إحدى الفتيات ومسحت العرق عن جبيني
وفرقعت بزغروطة قوية قرب أذني
فوقف الرجال المحششين وصاحوا
وكأنهم يقولون لي (شعليك) يا معلم
كان الرجال أقوياء فكانو يضربون الحائط
بقبضاتهم فيسقط الاسمنت منه لمجرد المزاح
ويتمرنون بلوي أغطية الزجاجات بأصابعهم
وضرب الأب الطاولة الصغيرة بقبضته
فانفلقت نصفين
فصاح الابن وكأن الأمر عادي ومألوف
هات طاولة وله يا نونو
ففكرت أن هذا مجتمع قاسي
مبني على القوة والعضلات
وغنت المطربة عدة أغاني شعبية
منها أغاني سيد مكاوي
مطرب الأسطوات
ولكن عندما غنت أغنية
عبد الغني السيد
البيض الأمارا والسمر العذارا
ساد صمت بين الأبطال
والرجال الخشنين
ووضعوا أكفهم فوق رؤوسهم
وسالت دمعة من عين الفتوة
وامتصوا الدخان ونفثوه طويلاً
وفي تلك الليلة
فكرت كثيراً برومانسية المعلمين
وضعفهم الإنساني
وأدركت أن في قلب كل وحش فيهم
حباً خالداً
باركت لشومة وزوجها
وخسرت في تلك الليلة نقوطاً كثيرة
لزوم فشخرة المعلمين

* * *

عبد الغني السيد
هذا العائش في قلوب الشعب المصري
هو أحد ضحايا مافيا الفن
الذي كان يقودها الراحل العظيم
محمد عبد الوهاب
ومن الضحايا كمال حسني
وفايزة أحمد
التي شقت طريقها بصعوبة

* * *
هذه الأغنية إهداء
إلى شومة التي ربما
أصبحت جدة الآن
وتحول جسمها الرشيق
إلى كتلة ضخمة من الشحم
وسلام اسكندراني للجميع
وبالمناسبة ألحان هذا السلام
هي ألحان يونانية جميلة

Sunday, August 2, 2009

استكمالاً للبوست الأخير

تشي غيفارا








كان شتاء قارص البرودة في القاهرة
في العام 1974م
همس في أذني صديقي البحريني
رغم جلبة طلبة وطالبات الكلية
ولكنه همس بحذر
"الليلة الشيخ أمام راح يغني
في شقة واحد من الربع
تجي؟"
أجبت فوراً ب:
طاااابعااا

* * *

وفي تلك الليلة سرنا
رافعين ياقاتنا وقاية من البرد الشديد
الذي كان يلسع رقبتينا
وكانت أيدنا مندسة في جيوبنا
كان بخاراً أبيضاً يخرج من أفواهنا
وكان هناك صوت تكسر بعض ورق الشجر الأصفر
عندما تطأه أقدامنا
وعندما اقتربنا من الحي
لاحظت رجالاً يلبسون معاطف بيضاء
وأحدهم يمسك بجريدة في الظلام
كانوا يعلنون عن أنفسهم
مباحث؟
وخرج بخار أبيض من فمي
ورد ببخار أبيض من فمه
نعم
ولكننا أكملنا طريقنا دون وجل
صعدنا على سلم العمارة القديمة
وكان هناك طلبة وطالبات عند باب الشقة
قال صديقي للواقف عند الباب
وهو يشير إلي:
"الأخ من الكويت"
ولما نظر إليه الواقف, أكمل:
"معاي"
فقال مبتسماً:
"حياه الله تفضلوا"
لما دخلنا لم نجد مكاناً لموطئ قدمينا
كان الطلبة والطالبات يفترشون الأرض
سلم صديقي على بعضهم
وعرفني:" الأخ من الكويت"
ابتسموا ووسعوا لنا المكان فجلسنا
كانت الشقة الصغيرة تعبق بدخان السجائر
فاقترح أحدهم بصوت عال:
"يا جماعة يا ليت نمتنع عن التدخين عشان ما نضر زملائنا وزميلاتنا"
كان على الحائط المقابل لي
صورة كبيرة لغيفارا
بالبريه الذي يغطي شعره الطويل
وتحت الصورة
كان يجلس الشيخ إمام
وصاحبه محمد علي
وثالث لا أذكر اسمه الآن

* * *

في تلك الليلة صدح صوت الشيخ إمام عالياً
واهتزت أوتار عوده القديم بقوة
وغنى أغاني كثيرة منها
مصر ياما يا بهية
يا ام طرحة وجلابية
وغنى
شرفت يا نيكسون بابا
يا بتاع الووتر غيت
عملو لك سيما وقيمة
سلاطين الفول بالزيت
وغنى كذلك
فاليري جسكار دستان
جاي يعمل من البحر طحينة
ونملا بدل البنزين بارفان
وغنى أيضاً
غيفارا مات
وغناها ثانية عندما أنهى الحفل فجراً
على الأضواء الأولى للقاهرة
ثم إلتفت على محمد علي وقال له:
"تيجي نصطبح؟"
ويقصد تدخين الحشيش صباحاً
فالاصطباحة عند العرب
هي شرب الخمر صباحاً

* * *

خرجنا صباحاً من الشقة الضيقة
وكان رجال المباحث في أماكنهم
وكان من يقرأ الجريدة ما زال يقرأها
وربما نفس الصفحة

* * *

كان الشيخ إمام جاهز دائماً
لدخول السجن بعد كل حفلة
يغني فيها الأغاني الثورية المشهورة
فكانت معه حقيبة صغيرة
بها غياراته استعداداً للسجن
فهو يخرج منه ليعود إليه

* * *

بعد تلك الليلة
سألت عن صديقي البحريني
فقيل أنه اختفى
فقد صدرت أوامر بالتعاون مع حكومة البحرين
باعتقال بعض الطلبة والطالبات البحرينيين
ولكني بالتتبع اكتشفت أن صديقي
هرب من القاهرة إلى إحدى الدول العربية
ليعيش فيها منفياً
لسنوات طويلة
قبل أن يعود إلى البحرين
قبل سنوات قليلة

* * *

لكن في كل الأحوال
غيفارا مات
وتذكرت البوستر الكبير له
فوق سريري في شقتي
بشارع مصدق قرب نادي الصيد
بالمهندسين

Thursday, July 23, 2009

استكمالاً للبوست الأخير

morir de amor



الموت حباً
لا أجمل من أن تحب وأن تكون محبوباً
أليس كذلك؟
لكن الأجمل على الإطلاق
هو الموت حباً

* * *

كنا في أحد كافيهات لوغانو
على البحيرة مباشرة
وكنا في صمت قدسي
وكأننا كنا منفصلين
عن الذات والموضوع
وفجأة خرجت من فمي زفرة
تصحبها كلمة
Yes
إلتفتت وعلى وجهها إبتسامة
جديدة علي وقالت
Yes
نظرت لها نظرة استفسار
أو رغبة في التأكد فكررت
Yes
اللي في بالك
Yes
كانت نظرتها ساحرة
كانت عيناها
تقولان كلاماً
انتظرت سماعه طويلاً
فعرفت أنني على وشك
الموت حباً
وددت لو أعانقها في هذه اللحظة
وأقول لها
thank you
ولكن
كان هناك زوج جديد
مع زوجته المحجبة
في قارب صغير في عرض البحيرة
وفي هذه الليلة كنا على موعد مع قمر لوغانو
الذي سيظهر على استحياء
من خلف جبال الألب
وفجأة رن الهاتف النقال
ليخرجنا من حالتنا السحرية
ألو هلا يبا

* * *

أزنافور
تبقى أنت دائماً
سيد الرومانس
سيد العذوبة والشجن

Sunday, July 12, 2009

الزوجة 13




من منا لا يعرف فلم الزوجة 13؟
من منا لا يعرف رشدي أباظة؟
من منا لا يذكر أفلامه
صراع في النيل مع هند رستم وعمر الشريف
تمر حنا مع نعيمة عاكف
والعديد من الأفلام التي رسخت بالذاكرة
كان رشدي أباظة مميزاً على الشاشة العربية
بمظهره الوسيم
بقدرته على التلون في الشخصيات
مثل الباشا والفقير
مثل الضابط والمجرم

* * *

كان العام لعله 1975 أو 1976م
كان في احتفال سفارتنا بالعيد الوطني
في القاهرة
أتذكر أن بدلتي كانت من المخمل
موضة زمان
فدخل السرادق المقام فيه الاحتفال
رشدي أباظة وزوجته الراقصة الجميلة
سامية جمال
وأثناء دخولهم "تكعبلت" سامية جمال
فأسندها رشدي أباظة بذراعه وهو يقول
أسم الله عليك يا روحي
كنت قريباً منهما
فمددت يدي مصافحاً
الأسطورتين رشدي وسامية
وعرفت بنفسي
فقال مبتسماً
تشرفنا يا أفندم
كانت هذه أول وآخر مرة
ألتقيه وجهاً لوجه

* * *

في العام نفسه
تعرفت على أبناء الطوخي توفيق
وهو مصمم المعارك في السينما المصرية
كما أنه يلعب دور البودلير
أي الذي يضرب بدلاً من البطل
وعندما كبر أبناه أدخلهم المهنة
فبعد كل تصوير فلم
كانا يأتيان بكسر في مكان ما
في القفص الصدري
في اليد أو الرجل وهكذا
وعندما جلست مع الطوخي
الذي لم يكن يعرفه كثير من الناس
سألته من الأفضل في ضرب البوكس؟
فريد شوقي والا رشدي أباظة؟
قال كل مرة يضربني فيها الاستاز رشدي كان يعورني
لأنه بيضرب من جد وبغضب
أما فريد فمحترف سيما
يعني يمثل الضرب
ثم اكتشفت أن الطوخي
صديق وجليس رشدي أباظة
وعرفت أن الطواقي التي كان رشدي يلبسها في الأفلام
كانت تحيكها الحاجة زوجة الطوخي
وعرفت أن رشدي أباظة
من أفضل الراقصين بالعصا

* * *

شادية لم تكن فقط مطربة محترفة
وصوتها جميل وعذب
لكنها أثبتت أنها ممثلة جيدة
ودمها خفيف
وللزوجة 13 ذكريات جميلة

Wednesday, July 8, 2009

دوست دارم




كانت الساعة الحادية عشرة صباحاً
من فبراير عام 1979م
لم تكن سيارتي معي, فأخذت تاكسياً أسود وأبيض
وذهبت إلى سكن الطالبات في المهندسين
ركبت التاكسي مبتسمة وقالت بلغة فارسية
صبح بخير
فأجبت
صبح شما بخير
وقلت للسائق
خدنا مطعم لاروز في كرداسة
قال: فين يا فندم
قلت: الجيزة
وفي الطريق أخرجت ورقة بخمسة جنيهات, وكتبت عليها
دوسام داري
أخذت القلم وكتبت عليها
خيلي دوست دارم

* * *

وصلنا لاروز الساعة الثانية عشرة
وجلسنا نتحدث
طلبنا الغداء
وجلسنا نتحدث
ولم نلمس الغداء
ولم ننتبه
حتى اصبحت الساعة الرابعة عصراً
فعدنا إلى القاهرة
ولكن موعد اغلاق سكن الطالبات مازال بعيداً
وحديثنا لم ينتهي
فذهبنا إلى كافتيريا فندق المريديان الجديد في ذلك الوقت
وجلسنا نتحدث
طلبنا قهوة
وجلسنا نتحدث
حتى الساعة الثامنة مساء
ولم نلمس قهوتنا
وأوصلتها إلى السكن
وقلت لها
غداً في نفس الموعد؟
فهزت رأسها مبتسمة
وعند باب السكن
أشرت بيدها بتحية
باااااااااي
فتحت نافذة التاكسي وقلت
خيلي دوست دارم
ردت
وأنا بعد
ورجعت واستمعت إلى داريوش وهو يغني
ببين و شقايق وهجرت تو

* * *

كان يناير عام 1982م
وكان المكان قاعة
Casba
في فندق مطار لوغوارديا
في نيويورك
والقاعة هي لصديقي الأمريكي من أصل إيراني
بهمن كريمي
وكان المطرب
داريوش
حيث غنى كل الأغاني التي أحبها
همس بهمن بأذني
بعد انتهاء الحفلة وخروج الناس
سأعرفك عليه
ولكنني أحذرك
فهو مغرور وصلف
فابتسمت
وبالفعل صافحته
وهم بالذهاب مع زوجته الأولى
إلى جناحهم بالفندق
أعطاني ظهره
فقلت
سيد داريوش عندي سؤال
وهذه قصتي دائماً مع السؤال الأول والجملة الأولى
واستمر حديثنا رغم تململ الزوجة
حتى الصباح
تحدثنا في كل شيء
في الأغاني
في الموقف السياسي
من فدائيي خلق
في الثورة الإيرانية
وعلى عكس ما حذني منه بهمن
كان صادقا مهتماً
وفي الأخير اقترح
ما رأيك أن نأخذ صورة مشتركة
وافقت
لكن بهمن لم يكن لديه
غير كاميرا تصوير فوري
بولارويد
احتفظت بصورة واحتفظ بصورة
وقال أنشاء الله هذه بداية صداقة
كان وسيماً

* * *

استيقظت في اليوم التالي ظهراً
فاستقبلني بهمن بابتسامة وقال
ماذا فعلت بالرجل؟
رفعت حاجبي واستفسرت
لماذا؟
قال: سألني هذا الصباح متى ستغادر
قلت له غداً
فقال: دعه يبقى كم يوم على حسابي
ثم أكمل بهمن:
كيف أثرت عليه
رفعت كتفي وابتسمت
وفي موعد الحفلة الثانية
جلست على طاولة خلفية
حضر داريوش وصعد المنصة
وبحث عني بعينيه
ولما وجدني
أحنى رأسه تحية
فرددت بمثلها مبتسماً
وتلك الليلة غنى كل الأغاني
التي تناقشنا حولها
كانت لغته الإنجليزية ركيكة
لكن استطعنا التواصل حتى الصباح

* * *

كنت أقلب باليوتيوب
ووجدت معه مقابلة حديثة
كانت لحيته بيضاء
وله كرش
وصوته خشن
تذكرت تلك الأيام وابتسمت
وقلت لنفسي
لماذا أستغرب؟
فأنا كنت شاباً يافعاً
في يوم ما
بعد تلك اليلة في نيويورك
لم أسمع عنه شيئاً
ولكنني سمعت أنه غنى مع مجموعة من المطربين الايرانيين
تضامنا مع مظاهرات الشعب الإيراني الأخير
وقلت لنفسي
its u:)

* * *

داريوش
I miss u
دوست دارم

Saturday, June 27, 2009

يا واحشني





سألتها:
هل لديك
أو usb
فلاش مموري؟
قالت لماذا؟
قلت حتى أضع لك عليه ذكرياتي وحكاياتي
وكل الأغاني التي رافقتي وعاصرتني
قالت أحب أن أستمع للكونسرتس
Live
قلت إذا اسمعي

* * *

كنا في بداية العشرينيات من أعمارنا
كنا في فلوكة وسط النيل
كانت المراكب والعوامات
تسير بهدوء ويسر
كمن يسير على جليد
وكأنها
Ice skate
جديد وحاد
فرحة لأن النيل الخالد بلا أمواج
فسطحه خلق للتهادي
وعمقه لابتلاع عروس النيل
كانت أنوار القاهرة
ترقص على سطحه
متعرجة ببهجة
صفراء وبيضاء
في بداية السبعينات
كانت قمصاننا مفتوحة لهواء النيل
صدورنا شبه عارية
كنا نغني بحماسة
"كنا حنبني وأدي احنا بنينا السد العالي"
ثم
"أخواني.. الحكاية مش حكاية السد,
هي حكاية شعب وثار بينا وبين الإستعمار"
بكى صاحب المركب
لأنه تذكر أن والده قد بكى عندما
سمع جمال عبد الناصر قال
"ارفع رأسك يا أخي"
وبدأ يصفق معنا
كان الناس في العوامات يطلون علينا
وكانت المراكب الأخرى تقترب منا
وكان العشاق على كوبري قصر النيل
يطلون علينا
وكأننا أعدنا لهم الزمن الجميل
زمن السلام والأمان والأمل
عندما كان النيل ملكاً حصرياً للعشاق
كان مدحت أكثرنا حماساً
وكانت هي هناك بقربي
ملتصقة بي كقطة شيرازية ناعمة
تستمع إلى هدير صوتي الشاب
من خلال ذبذبات صدري
وكلما اقشعر بدنها قبلت وجنتي
ثم وقفت في منتصف المركب
وقلت لصاحبه
أنزل الشراع
ففعل
أمسكت بالمجذاف وغنيت
"يا حلو صبح يا حلو طل"
لمحمد قنديل
فشعر الجميع بالنشوة
وأمسكو بالمجاذيف وغنو معي
وصفق المطلون من العوامات
وعشاق قصر النيل
وكأنهم يشاهدون حفلاً حياً
وكأنها عودة لشباب الخمسينيات
ثم رفعت يدي وبدأت بأغنية
"ثلاث سلامات يا وحشني"
أيضاً لمحمد قنديل
كانت المراكب المتحلقة حولنا
ممتنة للذكرى الجميلة
وكنا في غاية الانتشاء
وكانت هي لرقتها أكاد لا أشعر بها
هذا قبل أن يذبل جسدي
عندما كنت آخذ الدنيا بصدري العريض
أتذكر عندما كنت أحملها كريشة
على كتفي
وهي بين الضحك والصراخ تقول
نزلني..عفية نزلني
وعندما فتحت ألبوم الصور بعد ثلاثين سنة
وجدت فيها صورتي وأنا أجذف
وصورة أخرى وهي تقبل خدي
فشعرت ب
Nostalgia
تمزق نياط القلب
وتشده إلى ذاك الزمن

* * *

وبعد خمس سنوات من هذه الحادثة
مر بي يحمل عوده وسألني
"تحب أغني لك أيه؟"
قلت ثلاث سلامات لمحمد قنديل
رفع حاجبيه وقال:
أنت أول كويتي يحب محمد قنديل
ابتسمت فلم يكن لدي مزاج للرد
ثم قال كمن يشي بسر
"تعرف؟"
محمد قنديل صديق طفولتي
وما زلنا مع بعض
وظل يمر أمام نافذتي كل يوم وهو يغني ويبتسم
ابتسامة لها معنى
"يا حلو صبح يا حلو طل"
وبعد ستة أشهر قال لي
قلت لمحمد قنديل لك معجب في الكويت
فقال بلغه سلامي
وأنا في أنتظار التعرف عليه في القاهرة
لكن كما هي العادة
لم يكن الزمن متعاوناً
والبارحة في سهرتنا
وضعت ال
Usb
في اللاب توب
وأسمعتها هذه الأغنية
وسألتها
تذكرين؟
خفضت وجهها
وكان جميلاً
يشبه أيام
كنا حنبني وأدي احنا بنينا السد العالي
فأيتها الغالية
لك
"ثلاث سلامات ياوحشني ثلاث أيام"
بل ثلاثة عقود

Wednesday, June 24, 2009

كنت أقتات من شجني





كنت أقتات من شجني,
ألوك الصور والمشاعر
كما يلاك القات اليمني
كنت أنظر إلى الفازة التي أمامي
ولا أنظر لها
كنت أراها ولا أراها
عيناي مصوبتان عليها
بيد أن مشهدها لم يترجم في عقلي
لماذا التفكير؟
سألت وفردت الاحتمالات
كما يفرد المقامر ورقه على الطاولة الخضراء
أجبت: لا أدري
سألت: بماذا تفكر؟
كان سؤالاً يشي بالاستغراب
أكثر منه فضولاً أو اهتماماً خالصاً
أجبت: لا أدري
قالت: إذا أصررت على الصمت
فسأغادر
سألت: إلى أين؟
قالت: سأشاهد برنامج أوبرا
ظللت صامتاً ساهماً
نهضت وهي تنفخ السأم
أوففففففففف
قالت كل شيء بنفخ هذا الهواء
وقفت في منتصف الطريق
استدارت ثم اقتربت
أمسكت بكفي وقبلت ظاهرها
سألت: لم قبلتني على كفي
قالت: أخشى أن تعديني بالفلو
لو اقتربت من وجهك
ثم غادرت إلى أوبرا
وبعد قليل سألت نفسي بصمت
صحيح بم أفكر؟
ماذا يضيرها تفكيري؟
وضعت السماعة على أذني
واستمعت إلى شتراوس الابن
والمايسترو المبدع أوزاوا
وهو يقود الفرقة في فالس جميل
وغبت في داخلي
ولم أعد أسمع بوق السيارة الذي
كان ينعق بإلحاح خارج البيت

Friday, January 23, 2009

The last dance





كان قمر فلورنسا
ينير هضاب توسكانا
في تلك الليلة
رقصنا للمرة الأخيرة
آخر رقصاتنا التي
بدأناها منذ ثلاثة عقود
كل شيء كان مثالياً
الهواء ورائحة العشب
ونبيذ "كيانتي" التوسكاني
.. وابتسامتها
رقصنا على أنغام أغنية
Dance in the old fashion way
بلكنة أزنافور المحببة
رقصنا على صوت بوتشيللي
وهو يغني
the last dance
رقصنا ورقصنا ورقصنا
حتى نهاية الزجاجة الفاخرة
وكانت الاستراحة القصيرة
مجة من سيجار
Montecristo
ليلتها أدركت
أنني سأرقص معها
العمر كله
ورأيتنا نرقص
ببطء شديد
لكن برشاقة
بشعور بيضاء
وتجاعيد فخورة
في وجهينا
ونظارات سميكة
على عيوننا
عندما رقصنا تلك الليلة
لم أكن أعلم
لم تكن تعلم
أنها ستكون
الرقصة الأخيرة
كان شعوراً
بهياً
غريباً
وكأننا كنا لوحدنا
في هذا الكون الجميل
كم مرة رقصنا
في ثلاثة عقود؟
هل أذكر الرقصة الأولى؟
لا..ولا الثانية
لكن ما أعرفه
أننا كنا نرقص
منذ الأزل
وإلى الأبد
في الرقصة الأخيرة
لم تكن كالأولى
كنا نلهث
ونرتاح بعد كل رقصة
أو اثنتين
وعندما كنت أدفعها بعيداً ممسكاً
بأصابع يديها المألوفتين
كنت أضطر إلى اسنادها
كي لا تسقط
لم تكن كالرقصة الأولى
ولا الثانية
ولا المائة
عندما كانا قلبينا الشابين
يجعلانا هايبر
"اسمع قلبي وشوف دقاته"
هكذا كان قلبانا يقولان
لم تكن كالرقصة الأولى
لأنها
كانت أخيرة
لن نرقص مع بعضنا
في الكبر
لن نرقص مع غيرنا
سنرقص مع طيفينا
سنجلس
سنسعل
وسنتذكر رقصاتنا
وبالأخص الأخيرة
رقصنا ونحن نشاهد
الخليج العربي
رقصنا
في كل دول العالم
لكنها لم تكن كالرقصة الأخيرة
كان فيها عهد
أن نهرم مع بعضنا
ولا نتوقف عن الرقص
.. وقتها
كان قمر فلورنسا
ينير هضاب توسكانا
وكنا نرقص رقصتنا
الأخيرة
في الهواء الطلق

* * *

وفي صباح اليوم التالي
كنت
Tipsy
ركبنا السيارة
واتجهنا إلى
قرية سان جمنيانو
مارين على حقول النبيذ
وبقر وخراف
وجرار يحرث حقلاً
كانت الطرق الجبيلة والريفية
وشجر السرو المغرور
والمنعطفات الحادة
والضيقة
كلها كانت ملكنا
وكنا ملكها
وعلى مد النظر
كانت تنتثر القرى
تسمع فيها
رجال شيوخ يتصايحون
وهم يقذفون بورق اللعب
بقوة فوق الطاولات
وبين قناني البيرة
وعندما دخلنا القرية
المرصوفة بالحجارة
التفت إليها وقلت:
هنا غنى بوتشيللي
The last dance