Saturday, June 27, 2009

يا واحشني





سألتها:
هل لديك
أو usb
فلاش مموري؟
قالت لماذا؟
قلت حتى أضع لك عليه ذكرياتي وحكاياتي
وكل الأغاني التي رافقتي وعاصرتني
قالت أحب أن أستمع للكونسرتس
Live
قلت إذا اسمعي

* * *

كنا في بداية العشرينيات من أعمارنا
كنا في فلوكة وسط النيل
كانت المراكب والعوامات
تسير بهدوء ويسر
كمن يسير على جليد
وكأنها
Ice skate
جديد وحاد
فرحة لأن النيل الخالد بلا أمواج
فسطحه خلق للتهادي
وعمقه لابتلاع عروس النيل
كانت أنوار القاهرة
ترقص على سطحه
متعرجة ببهجة
صفراء وبيضاء
في بداية السبعينات
كانت قمصاننا مفتوحة لهواء النيل
صدورنا شبه عارية
كنا نغني بحماسة
"كنا حنبني وأدي احنا بنينا السد العالي"
ثم
"أخواني.. الحكاية مش حكاية السد,
هي حكاية شعب وثار بينا وبين الإستعمار"
بكى صاحب المركب
لأنه تذكر أن والده قد بكى عندما
سمع جمال عبد الناصر قال
"ارفع رأسك يا أخي"
وبدأ يصفق معنا
كان الناس في العوامات يطلون علينا
وكانت المراكب الأخرى تقترب منا
وكان العشاق على كوبري قصر النيل
يطلون علينا
وكأننا أعدنا لهم الزمن الجميل
زمن السلام والأمان والأمل
عندما كان النيل ملكاً حصرياً للعشاق
كان مدحت أكثرنا حماساً
وكانت هي هناك بقربي
ملتصقة بي كقطة شيرازية ناعمة
تستمع إلى هدير صوتي الشاب
من خلال ذبذبات صدري
وكلما اقشعر بدنها قبلت وجنتي
ثم وقفت في منتصف المركب
وقلت لصاحبه
أنزل الشراع
ففعل
أمسكت بالمجذاف وغنيت
"يا حلو صبح يا حلو طل"
لمحمد قنديل
فشعر الجميع بالنشوة
وأمسكو بالمجاذيف وغنو معي
وصفق المطلون من العوامات
وعشاق قصر النيل
وكأنهم يشاهدون حفلاً حياً
وكأنها عودة لشباب الخمسينيات
ثم رفعت يدي وبدأت بأغنية
"ثلاث سلامات يا وحشني"
أيضاً لمحمد قنديل
كانت المراكب المتحلقة حولنا
ممتنة للذكرى الجميلة
وكنا في غاية الانتشاء
وكانت هي لرقتها أكاد لا أشعر بها
هذا قبل أن يذبل جسدي
عندما كنت آخذ الدنيا بصدري العريض
أتذكر عندما كنت أحملها كريشة
على كتفي
وهي بين الضحك والصراخ تقول
نزلني..عفية نزلني
وعندما فتحت ألبوم الصور بعد ثلاثين سنة
وجدت فيها صورتي وأنا أجذف
وصورة أخرى وهي تقبل خدي
فشعرت ب
Nostalgia
تمزق نياط القلب
وتشده إلى ذاك الزمن

* * *

وبعد خمس سنوات من هذه الحادثة
مر بي يحمل عوده وسألني
"تحب أغني لك أيه؟"
قلت ثلاث سلامات لمحمد قنديل
رفع حاجبيه وقال:
أنت أول كويتي يحب محمد قنديل
ابتسمت فلم يكن لدي مزاج للرد
ثم قال كمن يشي بسر
"تعرف؟"
محمد قنديل صديق طفولتي
وما زلنا مع بعض
وظل يمر أمام نافذتي كل يوم وهو يغني ويبتسم
ابتسامة لها معنى
"يا حلو صبح يا حلو طل"
وبعد ستة أشهر قال لي
قلت لمحمد قنديل لك معجب في الكويت
فقال بلغه سلامي
وأنا في أنتظار التعرف عليه في القاهرة
لكن كما هي العادة
لم يكن الزمن متعاوناً
والبارحة في سهرتنا
وضعت ال
Usb
في اللاب توب
وأسمعتها هذه الأغنية
وسألتها
تذكرين؟
خفضت وجهها
وكان جميلاً
يشبه أيام
كنا حنبني وأدي احنا بنينا السد العالي
فأيتها الغالية
لك
"ثلاث سلامات ياوحشني ثلاث أيام"
بل ثلاثة عقود

Wednesday, June 24, 2009

كنت أقتات من شجني





كنت أقتات من شجني,
ألوك الصور والمشاعر
كما يلاك القات اليمني
كنت أنظر إلى الفازة التي أمامي
ولا أنظر لها
كنت أراها ولا أراها
عيناي مصوبتان عليها
بيد أن مشهدها لم يترجم في عقلي
لماذا التفكير؟
سألت وفردت الاحتمالات
كما يفرد المقامر ورقه على الطاولة الخضراء
أجبت: لا أدري
سألت: بماذا تفكر؟
كان سؤالاً يشي بالاستغراب
أكثر منه فضولاً أو اهتماماً خالصاً
أجبت: لا أدري
قالت: إذا أصررت على الصمت
فسأغادر
سألت: إلى أين؟
قالت: سأشاهد برنامج أوبرا
ظللت صامتاً ساهماً
نهضت وهي تنفخ السأم
أوففففففففف
قالت كل شيء بنفخ هذا الهواء
وقفت في منتصف الطريق
استدارت ثم اقتربت
أمسكت بكفي وقبلت ظاهرها
سألت: لم قبلتني على كفي
قالت: أخشى أن تعديني بالفلو
لو اقتربت من وجهك
ثم غادرت إلى أوبرا
وبعد قليل سألت نفسي بصمت
صحيح بم أفكر؟
ماذا يضيرها تفكيري؟
وضعت السماعة على أذني
واستمعت إلى شتراوس الابن
والمايسترو المبدع أوزاوا
وهو يقود الفرقة في فالس جميل
وغبت في داخلي
ولم أعد أسمع بوق السيارة الذي
كان ينعق بإلحاح خارج البيت