Friday, October 30, 2009

استكمالاً للبوست الأخير

لبنان الذي لا نعرفه



قادتنا أقدامنا المتعبة
إلى كافيه منزو في السوليدير
وصلنا بينما كانت متعلقة بذراعي
مستندة على جسدي الذي
لم يعد قوياً فتياً
كانت ساحة النجمة
تضج بالعابرين
كانت الكافيهات
تعج بالناس
ودخان الأرجيلات
يملأ الساحات
نحن نكره الازدحام
ونكره رائحة الأرجيلة
ولذا
كان هذا الكافيه المنزوي

* * *

كان ذاك اليوم حافلاً
منذ بدايته البكر
كنا شغوفين لرؤية ما فاتنا
من لبنان الطفولة والشباب
في ذلك الوقت
وقبل أكثر من أربعين عاماً
لم تكن أقدامنا تتعب حتى
خيوط الفجر الأولى
لكن ذاك اليوم
بعيد عن هذا اليوم
"وإذا خلاك الكبر ما خلاك البين"
كنا شغوفين لرؤية ما فاتنا
فذهبنا إلى جبل عاليه
ثم صعدنا أكثر إلى بحمدون المحطة
لكنهما لم تكونا كما تركناهما
كان أوتيل الساحة المهجور
هو الأثر الباقي لتلك الأيام
قلت لها أنظري
كانت هذه الشرفة
هي شرفة غرفتي عام 1971م
كان هناك ستار بوكس
تصوروا
لكن أين السبلندد والاكستاز؟
أين أبو خضر؟
على هذا الرصيف خلقت أجمل قصص الحب الكويتية
لكن من هؤلاء؟
أهم كويتيين؟
إذا لماذا لا يشبهون الكويتيين
الذين جاءوا هنا قبل أربعين عاماً؟
أصبنا بالأسى
ذهبنا إلى نبع الصفا
وكان أول ما تباردر إلى أذهان
من يعملون في المطعم هو التالي
"صيد خليجي دسم وع زوقك"
قرفنا من أجواء الاستغفال
وأصبنا لاحقاً بتسمم من الكبة النية
رغم أن عصفور التين المغمس
بدبس الرمان كان لذيذاً
ولكن و"بلا صغرة فيكن" كان
يختلف عن الطعم الذي اختزناه
عقوداً طويلاً في ذاكرتنا
في السيارة المستأجرة مع الشوفير
استندت على كتفي وهمست
خل نروح الأوتيل
كنت أعرف بماذا تشعر
وبعد لحظات صمت ابتسمت
محاولاً التخفيف عنها وقلت
خلينا ننزل على جونيه
نزلنا وجلسنا على كافيه على البحر
وكان بقربنا شباب خليجيين
يتفقون على الملهى الليلي
الذي سيسهرون فيه
وكانت في طاولة أخرى
شاب شعره سبايكي
لكن زوجته كانت منقبة
ظللنا جالسين بصمت
وارتشفنا الاسبرسو
ثم غادنا بصمت

* * *

لم تكن لبنان التي نذكرها
ولم يكن السائحين الذين نعرفهم
ربما نحن من تغير
فالنسائم البيروتية والجبلية لم تتغير
إلا قليلاً بسبب الاحتباس الحراري
فهل أثر الاحتباس على الناس؟
الأصدقاء اللبنانيين لم يعودو
بعضهم مات والآخر مريض
إلا قليل من الساخطين
أو محبي الحياة
كانت صامتة معظم اليوم
وكنت كذلك
حاولت تخفيف خيبة أملها
لكن من يخفف خيبة أملي؟
بيروت لم تتغير بشعاراتها السياسية على الحوائط
لكن تغير مضمون بعض هذه الشعارات

* * *

حل الظلام
وسرنا بأقدام متعبة
نتنفس نفساً ثقيلاً منهكاً
واخترنا كافيه منزوي
كل طاولاته خالية ما عدا
طاولة واحدة يحتلها سواح أجانب
وكان عازف عود
يعزف بلا شهية
فهم نظراتنا إليه فقال وكأنه يعتذر
"ما في حدا عم يسمع"
قلنا له مبتسمين بتعب
احنا نسمع
فغنى للعملاق وديع الصافي أغنية
"لا عيوني غريبة"
فانتعش في داخلنا شيء
كنا كنبتتين سقيا بالماء
فدبت فيهما الحياة
فصفقنا طويلاً
أخيراً
تعرفنا على وجه لبنان
ماسحاً التعب وخيبة الأمل
من على وجهينا
واستمر يغني كل أغاني وديع وفيروز
سألتها
تعبانة؟ تبين نروح الأوتيل؟
قالت بنشاط
لأ, خلينا قاعدين
طلبت عشاء فامتلأت الطاولة
بالمزات اللبنانية
الحمص والمتبل والتبولة والفتوش واللبنة
وخبز الفرن الحار وصينية الخضار
وصدح المطرب ب
لا أنت حبيبي ولا ربينا سوا
ومرقو الحصادين
واحكي لي احكي لي عن بلدي احكي لي
والليل يا ليلى يعذبني
ورحنا نغني معه غير واعين
ولما انتصف الليل
هممنا بالذهاب
فسألنا المطرب
تيجو بكرة ع عشية؟

* * *

حاولت البحث عن أغنية وديع الصافي
لا عيوني غريبة في اليوتيوب
ولم أفلح
لكني وجدت مطربين آخرين يغنوها
تظل الأغنية جميلة
ويظل وديع عملاقاً
وتظل لبنان هي لبنان
رغم كل شيء

Tuesday, October 6, 2009

كانت البلد رايقة




كان كل الناس
يعرفون كل الناس
كان كل الشباب
يعرفون سيارات كل الشباب
الكل كان يعرف
دهيمة SS
وفاير بيرد جزاع الناصر
وسيارة سكوني المعروفة
المشهور ال 442
والمملوحة
وغيرها من السيارات
كنا بلباس الثانوية
البنطلونات الرمادية والقمصان البيضاء
التي كنا نتسابق لنشتريها من محل بنغوين
في شارع الحمرا ببيروت
فنكون مخالفين وغير مخالفين للزي المدرسي
وكانت الفتيات يلبسن تنانير رمادية وقمصاناً بيضاء
لا أتذكر أنني رأيت أحداهن بحجاب أونقاب
ولم يكن شارع الخليج قد أنشأ بعد
كانت الكزدرة بالسيارات
داخل سوق السالمية
وتجمعات الشباب
عند ملك العصير
كان ذلك قبل المجمعات
وقبل أن يسمون الكزدرة والتمشي "قز"
عندما كان صوت عالية حسين يصدح بالخماري
آه ياروح الروح
من يسلي الروح
آه بين السمر والبيض
مقسومة
وكان مصطفى أحمد يغني
ترا الليل عودني على النوح والسهر
وحسين جاسم وعبد الكريم عبدالقادر
وعايشة المرطة وغريد الشاطئ
وشادي الخليج ينقون آذاننا
وكان المطربين والمطربات العرب
يغنون أغاني كويتية
مثل نجاح سلام التي غنت
أداري والهوا نمام
للعبقريان أحمد العدواني وحمد الرجيب
وغنت نجاة الصغيرة يا ساحل الفنطاس
وغنى عبد الحليم حافظ يا هلي
وغنت أم كلثوم يا دارنا يا دار
وغيرهم وغيرهم من الذين كانوا يعتبرون الكويت
منارة للثقافة والفن والحب
عندما كانت البلد رايقة

* * *

كانت حفلات العروس مختلطة
وكان السامري "يرنع" في الأرجاء
والتلفزيون يذيع بالأسود والأبيض مذكرات بحار
بصوت الشاعر محمد الفايز
وعوض الدوخي يغني
أنا في انتظارك ومستحيل أنسى اللي فات
كان النوير يملأ البر
وطيور الربيع تملأ أغصان الشجر
كانت الساحات تضج بالعرضة
كانت الألوان أكثر اشراقاً وبهاء
كنا عيال قرية
كل يعرف أخيه
عندما كانت البلد رايقة

* * *

كان الحب نظيفاً منزهاً
قد تبدأ شرارته بين الأهل
أو في السالمية
أو في بحمدون المحطة
أو أثناء الدراسة في القاهرة
لكنه كان نظيفاً
كان أي شاب يدافع عن أية فتاة
تتعرض للمضايقة
لم يكن هناك انترنت
لم يكن هناك تلفون نقال
لم يكن هناك بلوتوث
لكن كانت هناك رسائل تكتب باليد
بخطوط جميلة أنيقة
وكانت الرسائل الأنثوية معطرة
ترى بقع العطر في أركانها
كان الخط له طابع الخاص والخصوصية
يحمل بصمة صاحبه أو صاحبته
كان الزعل والعتب محبباً كما غنت عليا التونسية
أغنية شكوى العتاب للعملاق أحمد باقر
الزعل من غير سبة
شي حلو منك عرفته
عندما كانت البلد رايقة
كان الزعل والتغلي حلو
يزيد من قيمة الحب
ومن غلاة المحب
لم يكن كطعنة في القلب
فالمحب لا يتحول ذئب شرس

* * *
عندما غنى حسين جاسم
حلفت عمري ما أشوف صورة
ملامح فيها من وجهك
لم يصدقه أحد فينا
وحتى عندما بالغ بالقول
خلاص حتى المكان اللي نزوره ونتنادم فيه
حلفت عمري ما ازوره يوم
ولا حتى أفكر فيه
كنا نعرف أنها سحابة وتعدي
وأن هذه المبالغة ما هي إلا
زعل وعتب حلو وسيزول
كنا متعاطفين مع حسين جاسم
لأن كل الشباب الكويتي
كانوا يحبون كل الشابات الكويتيات
ولكل منهم قصة زعل
وفي النهاية
أصبحوا أجداداً وجدات
يملأ أحفادهم البيوت
أترككم لدقائق
مع الكويت الرايقة
وأريدكم أن تلاحظوا
أن عازف الغيتار هو
الشهيد عبدالله الراشد
الذي استشهد مع زميله الشاعر فايق عبد الجليل
أثناء الغزو الغاشم