Friday, August 21, 2009

لأ مش أنا اللي أبكي



أبكي؟
لأ مش أنا اللي أبكي

* * *

إنطفأت العينان
واختفى بريقهما إلى الأبد
وانسل جزء من الروح
خلف الأسوار المعتمة
كسرت شوكة المجد والشموخ
وارتدى الوجه قناعاً فينيسياً
قناع حزين كحزن الإله إيل على بعل

* * *

كطائر الفينيق
أتجدد لأحترق مرة أخرى
فأتجدد منتظراً الاحتراق
في أوغاريت وبيروت
ابنة الإله
جنة خلودي
وملاذي الأخير الذي ينتظرني
عندما كان الماموث يقرر الموت
كان يذهب إلى مقبرته منتظراً الموت
فهو المقبرة والجنة
بعد ألف عام
قد يجدون حفريتي
ويتساءلون
من كان هذا؟
قل لهم هذا الذي قال قبل أن يموت
لأ مش أنا اللي أبكي

Thursday, August 13, 2009

إهداء إلى شومة




كانت ليلة زواج ابنته شيماء
والتي يناديها الجميع شومة
والشومة في اللهجة المصرية
تعني العصا الغليظة
أو العجرة بلهجتنا
وكان العرس على سطح
إحدى العمارات القديمة بمنطقة العجوزة
كان الرجل في سبعينيات القرن الماضي
فتوة الحارة ودوبلير في السينما المصرية
وطلب من أولاده أن يعزموني على العرس
وحتى لا أبدو إبن ذوات بين الأسطوات
طلبت من ابنه أن ألبس جلابية وعمامة
وأضع على كتفي لاسة (شال) حرير
وطلبت ألبس جلابية اسكندراني
وهي تختلف عن الجلابية البلدي والجلابية الصعيدي
في تفصيلها
وتلف عمامتي بالطريقة الاسكندراني
بالضبط كهيئة الممثل زكي رستم
في فلم رصيف نمرة 5
وبرمت شاربي لأبدو بهيئة معلم اسكندراني
وظللت أتدرب على اللهجة الاسكندرانية
مع أبناء الفتوة قبلها بأسبوع
وقدمت بالحفلة على أنني تاجر فواكه من الاسكندرية
فالحفل كان مكتظاً بالأسطوات والمعلمين وتجار المخدرات المحليين
وبالتأكيد لن أدخل الحفلة بالبدلة السموكن
كانت الفرقة التي جلبوها من شارع محمد علي
تعزف السلام البلدي أو المربع
عند دخول أي ضيف
ولكن أبنه صرخ بصوت عال للفرقة عند دخولي
سلام اسكندراني للمعلم الفلاني
دخلت واضعاً كفي الاثنين فوق عمامتي
مقلداً زكي رستم
فنهض الرجال ذوي العضلات
محيين الضيف الاسكندراني
كان بينهم البطل محمد الحلو
صاحب سيرك الحلو
وأظنه ابن أخو الحلو
الذي قتله الأسد
ثم انتحر الأسد بقضم ذيله
وامتناعه عن الطعام
وتلك قصة أخرى غريبة
وكانت النساء يضعن كثيراً من المكياج
ويبدو الأخضر فوق عيونهم فاقعاً
ويبدو رنين الأساور الذهب في سواعدهن
والخلاخيل في أرجلهن عالياً
وقفت إحداهن وعلى رأسها
منديل أبو أويه جديد
وزغرطت فارتبكت
وتبعتها زغاريط كثيرة
وجلست مع الرجال الذين قدموا لي
بيرة ستلا
فرغم أنني قد توقعت كثيراً من الشربات
إلا أنني اكتشفت أن معظم ما يقدم
كان البيرة التي كان حتى الصغار يشربونها
ويتغاضى الأهل ويتظاهرون بعدم رؤيتهم
أما الحلقة التي كان يجلس فيها الأب
وبقية المعلمين الذين عرفوني عليهم
والأسطوات من جميع التخصصات
فقد كانت جوزة الحشيش هي السائدة
إضافة إلى البيرة
قدموا لي الجوزة ولكن الأبن أنقذني
فقال المعلم الفلاني عنده مشكلة بالصدر
فخرجت من أفواه الرجال
ألف سلامة عليك يا معلم
كان أهل العروس هم الذين يعرفون هويتي
وكنت قد اتفقت مع الابن أن أرقص بالعصا
تلك الليلة وكان اختبار لي
وعندما غنت المطربة
يا حسن يا غول الجنينة يا حسن
يا حسن يا غالي علي يا حسن
بتدبير من ابن الفتوة
كنت واقفاً في حلبة الرقص مستنداً
على عصا جميلة جلبتها معي
وحالما بدأت الأغنية
حتى عملت
My move
رفست العصا بقدمي عالياً
ثم اندمجت وغبت عن الوعي
مثلما حدث معي عندما رقصت العرضة
لمرة ولآخر مرة في حياتي
مع فرقة خيطان
كانت زغاريط النسوة
وتشجيع المعلمين الرجولي
تثير حماسي
أيوه يا معلم
وبعضهم باللهجة الاسكندراني
أيووووووووه يامعلم
معلمين اسكندرية أجدع ناس
أتت إحدى الفتيات ومسحت العرق عن جبيني
وفرقعت بزغروطة قوية قرب أذني
فوقف الرجال المحششين وصاحوا
وكأنهم يقولون لي (شعليك) يا معلم
كان الرجال أقوياء فكانو يضربون الحائط
بقبضاتهم فيسقط الاسمنت منه لمجرد المزاح
ويتمرنون بلوي أغطية الزجاجات بأصابعهم
وضرب الأب الطاولة الصغيرة بقبضته
فانفلقت نصفين
فصاح الابن وكأن الأمر عادي ومألوف
هات طاولة وله يا نونو
ففكرت أن هذا مجتمع قاسي
مبني على القوة والعضلات
وغنت المطربة عدة أغاني شعبية
منها أغاني سيد مكاوي
مطرب الأسطوات
ولكن عندما غنت أغنية
عبد الغني السيد
البيض الأمارا والسمر العذارا
ساد صمت بين الأبطال
والرجال الخشنين
ووضعوا أكفهم فوق رؤوسهم
وسالت دمعة من عين الفتوة
وامتصوا الدخان ونفثوه طويلاً
وفي تلك الليلة
فكرت كثيراً برومانسية المعلمين
وضعفهم الإنساني
وأدركت أن في قلب كل وحش فيهم
حباً خالداً
باركت لشومة وزوجها
وخسرت في تلك الليلة نقوطاً كثيرة
لزوم فشخرة المعلمين

* * *

عبد الغني السيد
هذا العائش في قلوب الشعب المصري
هو أحد ضحايا مافيا الفن
الذي كان يقودها الراحل العظيم
محمد عبد الوهاب
ومن الضحايا كمال حسني
وفايزة أحمد
التي شقت طريقها بصعوبة

* * *
هذه الأغنية إهداء
إلى شومة التي ربما
أصبحت جدة الآن
وتحول جسمها الرشيق
إلى كتلة ضخمة من الشحم
وسلام اسكندراني للجميع
وبالمناسبة ألحان هذا السلام
هي ألحان يونانية جميلة

Sunday, August 2, 2009

استكمالاً للبوست الأخير

تشي غيفارا








كان شتاء قارص البرودة في القاهرة
في العام 1974م
همس في أذني صديقي البحريني
رغم جلبة طلبة وطالبات الكلية
ولكنه همس بحذر
"الليلة الشيخ أمام راح يغني
في شقة واحد من الربع
تجي؟"
أجبت فوراً ب:
طاااابعااا

* * *

وفي تلك الليلة سرنا
رافعين ياقاتنا وقاية من البرد الشديد
الذي كان يلسع رقبتينا
وكانت أيدنا مندسة في جيوبنا
كان بخاراً أبيضاً يخرج من أفواهنا
وكان هناك صوت تكسر بعض ورق الشجر الأصفر
عندما تطأه أقدامنا
وعندما اقتربنا من الحي
لاحظت رجالاً يلبسون معاطف بيضاء
وأحدهم يمسك بجريدة في الظلام
كانوا يعلنون عن أنفسهم
مباحث؟
وخرج بخار أبيض من فمي
ورد ببخار أبيض من فمه
نعم
ولكننا أكملنا طريقنا دون وجل
صعدنا على سلم العمارة القديمة
وكان هناك طلبة وطالبات عند باب الشقة
قال صديقي للواقف عند الباب
وهو يشير إلي:
"الأخ من الكويت"
ولما نظر إليه الواقف, أكمل:
"معاي"
فقال مبتسماً:
"حياه الله تفضلوا"
لما دخلنا لم نجد مكاناً لموطئ قدمينا
كان الطلبة والطالبات يفترشون الأرض
سلم صديقي على بعضهم
وعرفني:" الأخ من الكويت"
ابتسموا ووسعوا لنا المكان فجلسنا
كانت الشقة الصغيرة تعبق بدخان السجائر
فاقترح أحدهم بصوت عال:
"يا جماعة يا ليت نمتنع عن التدخين عشان ما نضر زملائنا وزميلاتنا"
كان على الحائط المقابل لي
صورة كبيرة لغيفارا
بالبريه الذي يغطي شعره الطويل
وتحت الصورة
كان يجلس الشيخ إمام
وصاحبه محمد علي
وثالث لا أذكر اسمه الآن

* * *

في تلك الليلة صدح صوت الشيخ إمام عالياً
واهتزت أوتار عوده القديم بقوة
وغنى أغاني كثيرة منها
مصر ياما يا بهية
يا ام طرحة وجلابية
وغنى
شرفت يا نيكسون بابا
يا بتاع الووتر غيت
عملو لك سيما وقيمة
سلاطين الفول بالزيت
وغنى كذلك
فاليري جسكار دستان
جاي يعمل من البحر طحينة
ونملا بدل البنزين بارفان
وغنى أيضاً
غيفارا مات
وغناها ثانية عندما أنهى الحفل فجراً
على الأضواء الأولى للقاهرة
ثم إلتفت على محمد علي وقال له:
"تيجي نصطبح؟"
ويقصد تدخين الحشيش صباحاً
فالاصطباحة عند العرب
هي شرب الخمر صباحاً

* * *

خرجنا صباحاً من الشقة الضيقة
وكان رجال المباحث في أماكنهم
وكان من يقرأ الجريدة ما زال يقرأها
وربما نفس الصفحة

* * *

كان الشيخ إمام جاهز دائماً
لدخول السجن بعد كل حفلة
يغني فيها الأغاني الثورية المشهورة
فكانت معه حقيبة صغيرة
بها غياراته استعداداً للسجن
فهو يخرج منه ليعود إليه

* * *

بعد تلك الليلة
سألت عن صديقي البحريني
فقيل أنه اختفى
فقد صدرت أوامر بالتعاون مع حكومة البحرين
باعتقال بعض الطلبة والطالبات البحرينيين
ولكني بالتتبع اكتشفت أن صديقي
هرب من القاهرة إلى إحدى الدول العربية
ليعيش فيها منفياً
لسنوات طويلة
قبل أن يعود إلى البحرين
قبل سنوات قليلة

* * *

لكن في كل الأحوال
غيفارا مات
وتذكرت البوستر الكبير له
فوق سريري في شقتي
بشارع مصدق قرب نادي الصيد
بالمهندسين