Thursday, August 13, 2009

إهداء إلى شومة




كانت ليلة زواج ابنته شيماء
والتي يناديها الجميع شومة
والشومة في اللهجة المصرية
تعني العصا الغليظة
أو العجرة بلهجتنا
وكان العرس على سطح
إحدى العمارات القديمة بمنطقة العجوزة
كان الرجل في سبعينيات القرن الماضي
فتوة الحارة ودوبلير في السينما المصرية
وطلب من أولاده أن يعزموني على العرس
وحتى لا أبدو إبن ذوات بين الأسطوات
طلبت من ابنه أن ألبس جلابية وعمامة
وأضع على كتفي لاسة (شال) حرير
وطلبت ألبس جلابية اسكندراني
وهي تختلف عن الجلابية البلدي والجلابية الصعيدي
في تفصيلها
وتلف عمامتي بالطريقة الاسكندراني
بالضبط كهيئة الممثل زكي رستم
في فلم رصيف نمرة 5
وبرمت شاربي لأبدو بهيئة معلم اسكندراني
وظللت أتدرب على اللهجة الاسكندرانية
مع أبناء الفتوة قبلها بأسبوع
وقدمت بالحفلة على أنني تاجر فواكه من الاسكندرية
فالحفل كان مكتظاً بالأسطوات والمعلمين وتجار المخدرات المحليين
وبالتأكيد لن أدخل الحفلة بالبدلة السموكن
كانت الفرقة التي جلبوها من شارع محمد علي
تعزف السلام البلدي أو المربع
عند دخول أي ضيف
ولكن أبنه صرخ بصوت عال للفرقة عند دخولي
سلام اسكندراني للمعلم الفلاني
دخلت واضعاً كفي الاثنين فوق عمامتي
مقلداً زكي رستم
فنهض الرجال ذوي العضلات
محيين الضيف الاسكندراني
كان بينهم البطل محمد الحلو
صاحب سيرك الحلو
وأظنه ابن أخو الحلو
الذي قتله الأسد
ثم انتحر الأسد بقضم ذيله
وامتناعه عن الطعام
وتلك قصة أخرى غريبة
وكانت النساء يضعن كثيراً من المكياج
ويبدو الأخضر فوق عيونهم فاقعاً
ويبدو رنين الأساور الذهب في سواعدهن
والخلاخيل في أرجلهن عالياً
وقفت إحداهن وعلى رأسها
منديل أبو أويه جديد
وزغرطت فارتبكت
وتبعتها زغاريط كثيرة
وجلست مع الرجال الذين قدموا لي
بيرة ستلا
فرغم أنني قد توقعت كثيراً من الشربات
إلا أنني اكتشفت أن معظم ما يقدم
كان البيرة التي كان حتى الصغار يشربونها
ويتغاضى الأهل ويتظاهرون بعدم رؤيتهم
أما الحلقة التي كان يجلس فيها الأب
وبقية المعلمين الذين عرفوني عليهم
والأسطوات من جميع التخصصات
فقد كانت جوزة الحشيش هي السائدة
إضافة إلى البيرة
قدموا لي الجوزة ولكن الأبن أنقذني
فقال المعلم الفلاني عنده مشكلة بالصدر
فخرجت من أفواه الرجال
ألف سلامة عليك يا معلم
كان أهل العروس هم الذين يعرفون هويتي
وكنت قد اتفقت مع الابن أن أرقص بالعصا
تلك الليلة وكان اختبار لي
وعندما غنت المطربة
يا حسن يا غول الجنينة يا حسن
يا حسن يا غالي علي يا حسن
بتدبير من ابن الفتوة
كنت واقفاً في حلبة الرقص مستنداً
على عصا جميلة جلبتها معي
وحالما بدأت الأغنية
حتى عملت
My move
رفست العصا بقدمي عالياً
ثم اندمجت وغبت عن الوعي
مثلما حدث معي عندما رقصت العرضة
لمرة ولآخر مرة في حياتي
مع فرقة خيطان
كانت زغاريط النسوة
وتشجيع المعلمين الرجولي
تثير حماسي
أيوه يا معلم
وبعضهم باللهجة الاسكندراني
أيووووووووه يامعلم
معلمين اسكندرية أجدع ناس
أتت إحدى الفتيات ومسحت العرق عن جبيني
وفرقعت بزغروطة قوية قرب أذني
فوقف الرجال المحششين وصاحوا
وكأنهم يقولون لي (شعليك) يا معلم
كان الرجال أقوياء فكانو يضربون الحائط
بقبضاتهم فيسقط الاسمنت منه لمجرد المزاح
ويتمرنون بلوي أغطية الزجاجات بأصابعهم
وضرب الأب الطاولة الصغيرة بقبضته
فانفلقت نصفين
فصاح الابن وكأن الأمر عادي ومألوف
هات طاولة وله يا نونو
ففكرت أن هذا مجتمع قاسي
مبني على القوة والعضلات
وغنت المطربة عدة أغاني شعبية
منها أغاني سيد مكاوي
مطرب الأسطوات
ولكن عندما غنت أغنية
عبد الغني السيد
البيض الأمارا والسمر العذارا
ساد صمت بين الأبطال
والرجال الخشنين
ووضعوا أكفهم فوق رؤوسهم
وسالت دمعة من عين الفتوة
وامتصوا الدخان ونفثوه طويلاً
وفي تلك الليلة
فكرت كثيراً برومانسية المعلمين
وضعفهم الإنساني
وأدركت أن في قلب كل وحش فيهم
حباً خالداً
باركت لشومة وزوجها
وخسرت في تلك الليلة نقوطاً كثيرة
لزوم فشخرة المعلمين

* * *

عبد الغني السيد
هذا العائش في قلوب الشعب المصري
هو أحد ضحايا مافيا الفن
الذي كان يقودها الراحل العظيم
محمد عبد الوهاب
ومن الضحايا كمال حسني
وفايزة أحمد
التي شقت طريقها بصعوبة

* * *
هذه الأغنية إهداء
إلى شومة التي ربما
أصبحت جدة الآن
وتحول جسمها الرشيق
إلى كتلة ضخمة من الشحم
وسلام اسكندراني للجميع
وبالمناسبة ألحان هذا السلام
هي ألحان يونانية جميلة

2 comments:

عَذبة said...

..
وكأن العم غوغل يعلم ب يومي،،كم كان ثقيلا اكثر من المعتاد،،،واشد مرارة،، حتى صعب على الوقت ان يطويه دون الم،،
كان متعاطفا معي هذا المساء فآرسل لي هذا البوست.. بلون الابيض والاسود،، منكه بضجيج شارع محمد علي والوجوه السمراء الطيبة المبتسمة رغم ضيق العيش ،،قلوب تضحك على الدنيا.كل مرة.. حتى لو ضحكت الدنيا عليها عشرات المرات ..
:)


شكرالك
ول شومة

nostalgia said...

عذبة

أتعاطف معك وأدين يومك المتعب
سلمت