Sunday, August 2, 2009

تشي غيفارا








كان شتاء قارص البرودة في القاهرة
في العام 1974م
همس في أذني صديقي البحريني
رغم جلبة طلبة وطالبات الكلية
ولكنه همس بحذر
"الليلة الشيخ أمام راح يغني
في شقة واحد من الربع
تجي؟"
أجبت فوراً ب:
طاااابعااا

* * *

وفي تلك الليلة سرنا
رافعين ياقاتنا وقاية من البرد الشديد
الذي كان يلسع رقبتينا
وكانت أيدنا مندسة في جيوبنا
كان بخاراً أبيضاً يخرج من أفواهنا
وكان هناك صوت تكسر بعض ورق الشجر الأصفر
عندما تطأه أقدامنا
وعندما اقتربنا من الحي
لاحظت رجالاً يلبسون معاطف بيضاء
وأحدهم يمسك بجريدة في الظلام
كانوا يعلنون عن أنفسهم
مباحث؟
وخرج بخار أبيض من فمي
ورد ببخار أبيض من فمه
نعم
ولكننا أكملنا طريقنا دون وجل
صعدنا على سلم العمارة القديمة
وكان هناك طلبة وطالبات عند باب الشقة
قال صديقي للواقف عند الباب
وهو يشير إلي:
"الأخ من الكويت"
ولما نظر إليه الواقف, أكمل:
"معاي"
فقال مبتسماً:
"حياه الله تفضلوا"
لما دخلنا لم نجد مكاناً لموطئ قدمينا
كان الطلبة والطالبات يفترشون الأرض
سلم صديقي على بعضهم
وعرفني:" الأخ من الكويت"
ابتسموا ووسعوا لنا المكان فجلسنا
كانت الشقة الصغيرة تعبق بدخان السجائر
فاقترح أحدهم بصوت عال:
"يا جماعة يا ليت نمتنع عن التدخين عشان ما نضر زملائنا وزميلاتنا"
كان على الحائط المقابل لي
صورة كبيرة لغيفارا
بالبريه الذي يغطي شعره الطويل
وتحت الصورة
كان يجلس الشيخ إمام
وصاحبه محمد علي
وثالث لا أذكر اسمه الآن

* * *

في تلك الليلة صدح صوت الشيخ إمام عالياً
واهتزت أوتار عوده القديم بقوة
وغنى أغاني كثيرة منها
مصر ياما يا بهية
يا ام طرحة وجلابية
وغنى
شرفت يا نيكسون بابا
يا بتاع الووتر غيت
عملو لك سيما وقيمة
سلاطين الفول بالزيت
وغنى كذلك
فاليري جسكار دستان
جاي يعمل من البحر طحينة
ونملا بدل البنزين بارفان
وغنى أيضاً
غيفارا مات
وغناها ثانية عندما أنهى الحفل فجراً
على الأضواء الأولى للقاهرة
ثم إلتفت على محمد علي وقال له:
"تيجي نصطبح؟"
ويقصد تدخين الحشيش صباحاً
فالاصطباحة عند العرب
هي شرب الخمر صباحاً

* * *

خرجنا صباحاً من الشقة الضيقة
وكان رجال المباحث في أماكنهم
وكان من يقرأ الجريدة ما زال يقرأها
وربما نفس الصفحة

* * *

كان الشيخ إمام جاهز دائماً
لدخول السجن بعد كل حفلة
يغني فيها الأغاني الثورية المشهورة
فكانت معه حقيبة صغيرة
بها غياراته استعداداً للسجن
فهو يخرج منه ليعود إليه

* * *

بعد تلك الليلة
سألت عن صديقي البحريني
فقيل أنه اختفى
فقد صدرت أوامر بالتعاون مع حكومة البحرين
باعتقال بعض الطلبة والطالبات البحرينيين
ولكني بالتتبع اكتشفت أن صديقي
هرب من القاهرة إلى إحدى الدول العربية
ليعيش فيها منفياً
لسنوات طويلة
قبل أن يعود إلى البحرين
قبل سنوات قليلة

* * *

لكن في كل الأحوال
غيفارا مات
وتذكرت البوستر الكبير له
فوق سريري في شقتي
بشارع مصدق قرب نادي الصيد
بالمهندسين

2 comments:

عَذبة said...

هذا الحنين،
،هذه الذاكرة...لاادري كم هي بعيدة .. وضاربة جذورها عميقا،،في تلك الجزيرة العائمة فوق سحابة.

ارض،،،لم نعد نراها... ولا احد يستطيع الوصول اليها..

انت فقط من يمسك بخيوط اصوات علقت فوق اغصانها،،،وتستحضر الوانا وروائح نبتت كالعشب فيها
..
تشي غيفارا
جاءني وجهه و حوله غيمة لطيفه تحمل وجه جدتي الجميل وهي تتحلطم كعادتها من فوضى كتب خالي التي زحفت من غرفته لتتوسد الممرات
خالي بالبوت العسكري لانه موضة كل المناضلين تلك الايام مع السترة الكاكي
والشعر الطويل
جيفارا
وجهه على اغلفة كتيبات
وكتب صغيرة اخرى مذيلةٌ بمنجل ومطرقة صغيرة...وخلفية حمراء
يدسها خالي في حقائبة كلما عاد من بيروت
اذكر بوستر لجيفارا ظل مطويا بين ارفف مكتبته حتى
تنازعت عليه خالاتي ايهن احق بتعليقه فوق سريرها،،
لا لشىء
سوى انه كان جذابا جدا بذلك الديرتي لوك مع
السترة العسكرية و الشعر الطويل

ارنستو جيفارا اسطورة...و رمز للثورة.. ضد الظلم والحكم الديكتاتوري
و

اليوم،،،في زمن .مثقوب،،، اختلت فيه المقاييس وترهلت
المبادئ .. والدين يُفصّل ُ حلاله و حرامه،، حسب الطلب و الحاجة

كم نحن بحاجة الي رمز...
ووطن يبنى من جديد

!!

السيد غوغل كان في غفوة اليوم !!و فاته ان ينبهني بأن هناك جديد لديك لولا اني دخلت هنا من باب الاطمئنان
وتفاجأت بجيفارا!!


:
:
كنت تقول في رد سابق
يبدو فعلا مزاج هذا البلوق لا يعجب الجميع))
(( يكفيني أنه نافذتي على الزمن الجميل

تذكر استاذي الكريم انها
شرفتي هي ايضا التي
لاامل من الوقوف فيها


كن بخير

nostalgia said...

عذبة
كما هي عادتك
تأتين لتضيفي لوناً يصنع فرقاً
يشبه الكلمة النهائية

أرحب بك وبالجميع في التراس
إذ يبدو أنني سأقضي بقية أيامي بها
بعد أن جلت الدنيا اكتشفت أنه لا يوجد مكان أمتع وأأمن من شرفتي

شكرا